التضخم السكاني كارثة العصر
بقلم: عصام خوري
10/4/2003
تحدث الناس كثيراً عن نظرية مالثوس التي اعتبرت تبريراً للحروب والأوبئة. ونسوها طويلاً بعد ذلك، بل حولها بعضهم، وحولوه هو، إلى رمز للتشاؤم تنقصه إنجازات العلم. لكن كثيرين عادوا الآن إلى التحدث عن نظرية توماس مالثوس عالم الاقتصاد السياسي البريطاني، الذي كتب مقالة في المبدأ السكاني نشرت سنة 1798م وتكهن فيها بمستقبل مظلم للجنس البشري.
قال: إن عدد السكان في العالم سيزداد ويصل إلى أقصى حدود الموارد الغذائية المتاحة، مما يؤدي إلى انتشار الفقر والجوع في العالم. لذلك لقبه الناس نوستراداموس الاقتصاد والاجتماع.
العالم من 2000/ حتى2050م في القرن الجديد:
12/تشرين الأول/1999م أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان أن عدد سكان العالم تخطى عتبة الستة بلايين نسمة. وتشير توقعات الصندوق المذكور إلى أن عدد سكان العالم سنة 2050 سيكون 8.9بليون نسمة، أي أقل بكثير مما توقعه الصندوق سنة 1996 من أن العدد سيكون 9.4بليون نسمة.
والسبب الرئيسي هو أن الخصوبة في العالم انخفضت أكثر مما كان متوقعاً، بينما شهد العالم تحسنا في العناية الصحية، بما في ذلك الصحة الإنجابية، وفي قيام أسر أصغر حجماً. إلا أن نحو ثلث نسبة الانخفاض تعود إلى ارتفاع معدلات الوفاة في المناطق الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى وفي أنحاء من شبه القارة الهندية. ومن أسباب ذلك مرض نقص المناعة المكتسب (إيدز، السيدا) الذي انتشر بصورة مرعبة.
في بداية القرن العشرين كان عدد السكان حوالي 1.5بليون نسمة، وبحلول عام 1960 ارتفع إلى ضعفي ما كان. وفي أواخر 1999 وصل إلى أربعة أضعاف أي إلى ستة بلايين نسمة. ومن المخيف تصور الزيادة كما في فترة العقود الماضية، خصوصا في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة التي ازداد خلالها عدد السكان بليون نسمة. الزيادة السنوية التي شهدها عدد سكان العالم ارتفعت من 47مليون نسمة في الفترة (1950-1955) إلى 86مليوناً في الفترة (1985-1990). وهذا النمو نتيجة صافية لانخفاض عدد الوفيات بشكل أسرع من انخفاض معدل الخصوبة.
ونتيجة لذلك فإن فإن وصول عدد سكان العالم إلي البليون الرابع وحتى السادس تحقق في 14سنةو13سنة و12سنة.
تطور العناية الصحية ظهر منذ أواخر القرن التاسع عشر و خاصة بعد الحرب العالمية الثانية. فمنذ عام 1950م انخفض معدل الوفيات إلى النصف وفي الوقت ذاته ارتفع متوسط العمر المتوقع للإنسان عالمياً من 46سنة إلى 66سنة. ويتوقع وصوله إلى 76 في عام 2050م.
وارتفع عدد الولادات من 98مليوناً عام 1950م إلى ذروة وهي 134مليوناً في أواخر الثمانينات. ويتوقع أن يبقى 130مليوناً في السنوات العشرين القادمة، بينما ترتفع معدلات الوفاة مع تقدم الناس في العمر.
ووفق التقديرات عن العام 2050م سيكون هنالك 130 بلداً ذا نسب نمو إيجابية، و44 من هذه البلدان تتجاوز النسبة فيها واحداً في المئة سنوياً أي ما يناهز ما كان سائداً في البلدان الأكثر تطوراً عام 1965م.
– في البلدان النامية كانت نسبة الخصوبة عام 1950 تناهز 6.2 وأصبحت تقل عن 3 عام 1999، ويتوقع انخفاضها إلى أدنى من 2.1 بحلول 2045م.
في هذا الإطار أيضاً، تفيد أحدث الإحصاءات التي أعلنتها شعبة السكان بالأمم المتحدة في نيويورك بأن الإسقاطات الإحصائية ترسم اثنين من السيناريوهات أو التصورات المستقبلية الديمغرافية: .. الأول: سيناريو متفائل بأن ثمة انضباطاً سوف يتبعه نمط الزيادة المفرطة في سكان العالم بما يؤدي إلى حفظ التوازن ولو إلى حد ما بين البشر والموارد. في إطار هذا السيناريو يصل سكان العالم إلى نحو 8.9 مليارات إنسان في عام 2050 وعليك خير.
.. الثاني: سيناريو متشائم يقول بأن الانفلات السكاني سوف يواصل جموحه بما ينجم عنه مزيد من الخلل بين الناس ومواردهم. لذلك فإن كل طرف.. فرداً كان أو بلداً أو مجتمعاً لابد وأن يدبر أمر معايشه ويجري حساب موارده بعيداً عن انفلات السرف ومغبة الهدر وآفة التعامل مع الموارد التي سخرت للبشر فوق كوكب الأرض بمنطق الإنضاب الجامح اللامسئول.
وفق هذا السيناريو القاتم تتوقع الإسقاطات الإحصائية أن يصل عدد سكان كوكبنا إلى نحو 11 مليار إنسان مقابل 6.1 مليارات يعيشون بين ظهراني الكوكب في المرحلة الراهنة.
كيف لا.. وسكان الهند يزيدون في الأسبوع الواحد ـ حسب المعدلات الراهنة ـ بمقدار 350 ألف نسمة.. وهو رقم لعمرنا مهول إذا ما قارناه في لمحة خاطفة بما يحدث مثلاً في دول الاتحاد الأوروبي وعددها 15 دولة وقد حققت في مجموعها نفس الزيادة (نحو ثلث مليون) ولكن في عام بأكمله من عمر الزمان.. هذا فضلاً عما تتمتع به دول الاتحاد الأوروبي من ارتفاع مستويات المعيشة ورقي الخدمات الصحية سواء في مجال الرعاية الأولية أو المتخصصة.
مشكلة العواصم المكدسة وإلى جانب ظاهرة التزايد السكاني المطرد وخاصة في بلدان العالم الثالث النامية (سوف يتركز نصف سكان الدنيا كلها في 6 دول فقط لا غير واحدة في أفريقيا وهي نيجيريا والأخرى في آسيا.. ولا غرور وهي الصين والهند وباكستان وبنجلاديش واندونيسيا). ـ توجد أيضاً ظاهرة التحضّر، المتمثلة في زيادة النزوح من الأرياف والبوادي إلى المدن والمناطق الحضرية. ولا تتجسد مشكلة هذه الهجرات الحضرية، في مزيد من الازدحام التي باتت المدن الكبرى (تسمى المدن المهيمنة في الأدبيات الديمغرافية) تعاني من ظاهرة الازدحام إلى حد التكدس ناهيك عن التلوث والاختناق على نحو ما بتنا نشهده أو نكابده في مدن مثل القاهرة أو المكسيك أو طوكيو أو لاجوس أو دكا.. بل إن مشكلة هذه الظاهرة أنها تزيد الطلب في المدن المرهقة أصلاً على المياه والطاقة وغيرها من الموارد الأساسية اللازمة لمعيشة الإنسان.
ثم تتفاقم نفس المشكلة حين يؤدي تركز (تكدس) البشر في مواقع سكانية محدودة المساحة، أكثرها مواقع عشوائية في الحواضر ـ العواصم الكبرى ـ إلى زيادة المخلفات ـ الفضلات ـ النفايات الناتجة عن هذه الأعداد والمستوطنات البشرية الضخمة.. حيث يتم صرف معظمها في الأنهار أو البحيرات في هذا البلد أو ذاك مما يقلل من كميات المياه النظيفة، النقية والصالحة من ثم للاستخدام الآدمي.
لذلك علينا القلق الشديد حول الأوضاع الغذائية في العالم أجمع بسبب الشحة في مصادر الغذاء وبسبب تناقصه بالقياس إلى التزايد المستمر لعدد سكان الكرة الأرضية فعلى الرغم من تزايد الشعور بالمسؤولية تجاه مسألة الأمن الغذائي العالمي فإن هناك قصوراً مستمراً في التنمية الشاملة وبوجه خاص في مجال التنمية الزراعية والريفية. وأوضحت أن التقديرات الدولية مقابل التزايد البشري الكبير, الأمر الذي سيتفاقم من حدة النقص الفعلي في نصيب الفرد من الأراضي الصالحة للزراعة ويضاعف من مستوى الطلب على الموارد الطبيعية المحدودة وبخاصة الموارد المائية المتناقصة, كما تشير التقديرات إلى أن نحو مليار هكتار من الأراضي يتعرض إلى التآكل بفعل الرياح وإلى الانجراف بفعل المياه وأن حوالي 200 مليون هكتار من الأراضي يتعرض إلى التدهور المتواتر لأسباب كيميائية وطبيعية مختلفة. ويلاحظ انه وفقا لتقارير دولية فإن مخزون العالم من الثروة السمكية فد استنفذت بشدة حيث أن 18% من مصائد الأسماك في العالم بلغت حدود الإنتاج القصوى أو تجاوزتها ناهيك عن تعرض الموارد الوراثية الحيوانية والنباتية ذات الأهمية القصوى إلى خطر الاندثار بسبب الاستغلال الجائر وسوء الاستخدام.
إن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) تقدر عدد الذين يعانون من نقص التغذية المزمن قد يناهز 730 مليون نسمة بحلول عام 2010 منهم ما يفوق على 300 مليون نسمة في البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى علماً بأن أكثر من 800 مليون شخص يواجهون حالياً في البلدان النامية وحدها نقص التغذية المزمن ونحو 200 مليون طفل دون سن الخامسة مصابون بنقص البروتين والطاقة. وأضافت أنه على الصعيد القطري صنفت منظمة الأغذية والزراعة 82 بلداً ضمن فئة بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض منها 41 بلداً في إفريقيا و19 في آسيا والمحيط الهادي و9 من أوروبا ورابطة الدول المستقلة و 7 من أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي و 6 من الشرق الأدنى وشمال إفريقيا. وأشارت إلى أن التقارير الدولية تتوقع أن إمدادات العالم من الحبوب قد تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ أزمة الغذاء في أوائل السبعينات إذ ارتفعت أسعار الحبوب بنسب تتراوح بين 30% إلى 50% مقارنة بأسعار 1995 ونتيجة لذلك اضطرت بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض أن تتحمل دفع 3.4 مليارات دولار إضافية لاستيراد احتياجاتها من الأغذية لعام 1996 أي بزيادة نحو 24% مقارنة بالعام الذي سبقه, علاوة على ذلك تواجه 26 بلداً نقصاً في الإمدادات الغذائية بصورة استثنائية ولغرض المحافظة على المستويات الحالية للإمدادات الغذائية سريعة في الإنتاج من أجل رفع الإمدادات بأكثر من 75% دون تعرض الموارد الطبيعية للضرر. على الرغم من حدوث انتعاش في مستوى إنتاج العالم من الحبوب مؤخراً خلال عام 1997 فإن الوضع ما بين الطلب والعرض سيظل حرجاً, فالتوقعات تشير إلى أن الأوضاع ستتفاقم في البلدان وأمنها الغذائي رغم ما تضمنته اتفاقية الجات من إجراءات للحد من الآثار السلبية على اقتصاديات البلدان النامية.
حقائق سكانية في العالم:
1- خمس سكان العالم أي أكثر من بليون نسمة، من الشباب الذي تراوح أعمارهم بين 15و24سنة. ويعيش أكثر من نصفهم في المناطق الريفية.
2- يعيش 60% من الشباب في المناطق الآسيوية النامية و15% في إفريقيا و9% في أمريكا الجنوبية والمناطق الكاربية.
3- من بين كل مئة أسرة تكونت أواخر الثمانينات في مدن العالم النامي، هناك 72أسرة تعيش في مدن الصفيح والأكواخ. ويقدر أن نحو 100مليون شاب، معظمهم بين عمر 14و19سنة، يعيشون في الشوارع بعيداً عن منازلهم وأسرهم.
4- كل عام يموت في العالم ما يزيد على 585ألف امرأة بسبب الحمل. وتعاني سبعة ملايين امرأة من مشاكل صحية خطيرة كما تعاني 50 مليون امرأة من آثار صحية مختلفة نتيجة الولادة. ويجري نحو 20مليون عملية إجهاض غير مأمونة في البلدان النامية كل سنة، يموت خلالها حوالي 70ألف امرأة أي 13% من مجموع وفيات الأمهات في العالم.
5- خمس الأطفال لا يصلون في دراستهم إلى الصف الخامس الابتدائي، وحوالي 20%لا يحصلون على ما يكفي من الطاقة الغذائية والبروتين.
6- أكثر من بليون شخص لا يزالون محرومين من الحاجات الرئيسية. ومن أصل 4.8بليون نسمة في البلدان النامية، يفتقر حوالي ثلاثة أخماسهم إلى الوسائل الصحية الأساسية، وحوالي الثلث لا يستطيعون الحصول على المياه النظيفة، والربع لا يتوفر له السكن الملائم.
7- الفقراء هم الأكثر تعرضاً للأدخنة والأبخرة والأنهار الملوثة. وبين حوادث الوفاة التي يبلغ عددها 2.7مليون سنوياً بسبب تلوث الهواء، هناك 2.2مليون حالة سببها التلوث داخل الأماكن المغلقة، و80% من الضحايا هم من فقراء أرياف البلدان النامية.
8- من المرجح أن يعيش ربع سكان العالم سنة 2050م في بلدان تواجه نقصا في الماء العذب. وهناك الآن ما يزيد على 430 مليون شخص يعيشون في بلدان تتأثر بضغوط ذات علاقة بالماء أو تواجه ندره فعلية في الماء.
9- نخسر ما يزيد على 30ألف نوع من الحيوانات والنباتات كل سنة من أصل نحو 14مليون نوع، على الرغم إننا لا نزال نعتمد اعتماداً شديداً على ما يقل عن 40ألف نوع للغذاء والسكن والوقود والملبس.
التكنولوجيا بديل للموارد الأولية:
أمام الضغوط الكبيرة على رصيد الموارد الأساسية المتاحة لكوكب الأرض وفي مقدمتها المياه… يظل السؤال المهم مطروحاً: ـ وماذا عن التكنولوجيا، وبالتحديد عما تعد به من إمكانيات وقدرات من أجل التصدي لمثل هذه المشاكل التي تصادفها البشرية مع مطالع هذا القرن الحادي والعشرين؟ بديهي أن التكنولوجيا ظاهرة من صنع البشر إذا ما اصطلحنا على أبسط تعريف لها وهو: تطوير استخدام أحدث أساليب العلم من أجل تطوير وسائل الإنتاج وتعظيم عوائد النشاط البشري.
إيجابيات التكنولوجيا وسلبياتها وبديهي أيضاً أن التكنولوجيا ـ مثل أي عمل أو نشاط أو نزوع بشري ـ جوانبه الإيجابية والسلبية.. خيراتها النافعة وآثارها الجانبية على السواء..
تستطيع التكنولوجيات المستجدة في حياتنا أن توسع جانب زيادة العرض في معادلة الموارد المطلوبة لحياتنا ونعني بها معادلة العرض والطلب. والتكنولوجيا قد تنتج هذا التوسع حين توصلنا إلى إمكانية الإفادة من مواد وموارد كانت تعد بعيدة عن متناولنا لدرجة أن صرفت البشرية النظر عن سبل استغلالها ـ ومن ذلك مثلاً رسوبيات ومستودعات النفط الكامنة في قاع المحيطات أو المتواجدة تحت سطح مناطق نائية لم يكد يصل إليها أحد في صحارى سيبريا الجليدية في أقاصي روسيا وقد تصل بنا إيجابيات وتطورات التكنولوجيا إلى تقليل إلى حد التضئيل نفقات تحلية مياه البحر أو التوسع باستخدام طاقة رخيصة ونظيفة وصديقة للبيئة هي الطاقة الشمسية.
وفي جانب الطلب يمكن لأساليب التكنولوجيا أن تمارس الدور المقابل وهو دور الهبوط بالطلب (مقابل زيادة العرض): مثلاً يقل الطلب البشري على استخدام البترول إذا ما نجحت تكنولوجيا المستقبل ـ القريب فيما نرجو ـ في التوصل إلى موتورات وسيارات ومحركات تتميز بكفاءة استخدام الوقود أو في اصطناع وسائل للنقل والإنتاج تتسم باستخدام كميات أقل من الكهرباء أو من مواد الخامات الأولية لكن نصل إلى الجانب المقابل ـ بالتحديد إلى الآثار الجانبية وهي سلبية بحكم التعريف التي يمكن أن تنطوي عليها تكنولوجيات المستقبل في إطار هذه التكنولوجيات سوف يزيد احتفال البشر بالملك المتوج مجدداً في حياتنا وهو الحاسوب عبر اختلاف أنماطه وتعدد أجياله وتطور استخداماته، فضلاً عما يرتبط به من أجهزة وأساليب واستخدامات الكترونية.. ألا يعني هذا مزيداً من الطلب على طاقة الكهرباء؟ (الحديث هنا ليس عن الحاسوب الشخصي أو العائلي في منزل الأسرة الحديثة السعيدة بل عن صناعات وتكنولوجيات المستقبل المدارة بالحواسيب).
بين الورق والبترول أكثر من هذا.. كانوا يقولون لنا: ـ لا بأس عليكم من القلق على مصير أشجار العالم واضمحلال الغطاء النباتي الكوكبي من أجل صناعات الورق. إن دخول الكمبيوتر حياتنا كفيل بتقليل استهلاك الورق ومن ثم عدم قطع المزيد من الغابات.
ومن عجب أن حدث العكس تماماً وعلى طول الخط! إن أحدث الإحصاءات الصادرة عن صناعات الورق الدولية تفيد بالتالي: ـ على مدى عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ارتفع الاستهلاك العالمي من الورق من نحو 180 مليون طن في عام 1980 يصل إلى نحو 300 مليون طن في عام 1997.
نفس الإحصاءات أو المؤشرات بالنسبة للبترول تفيد بازدياد مضطرد في استخداماته في كل بلاد العالم وإن كان الاستثناء الوحيد هو إقليم الاتحاد السوفييتي السابق حيث هبط استخدام البترول نتيجة إغلاق عدد من الصناعات مما أدى إلى هبوط الإنتاج وانكماش الأنشطة الصناعية ـ الإنتاجية والخدمية، وذلك عامل سلبي له دلالته الموضعية الخاصة.
ورغم دخول كميات جديدة من النفط الخام إلى أسواق العالم.. بفضل ما تم من اكتشافات محدثة منها مثلاً حقول بحرية في أفريقيا أو في منطقة بحر قزوين مما سيضيف ـ كما يقول الخبراء مليارات من البراميل إلى الاحتياطيات النفطية المؤكدة ـ إلا أن الازدياد الراهن في الاستهلاك العالمي كفيل باستمرار الطلب في حالة ازدياد على هذه المادة الاستراتيجية مما يدفع وزارة الطاقة الأمريكية مثلاً إلى التنبؤ بأنه سيحدث دورياً أن يفوق الطلب العرض وبالتالي يشهد العالم ـ بمقتضى قوانين الاقتصاد المعروفة ـ زيادات متكررة في الأسعار من ناحية بل وحالات من الركود الاقتصادي العالمي الشامل من ناحية أخرى ثم أن هذا الطلب المتزايد على النفط معناه زيادة الاستهلاك وبالتالي زيادة انبعاثات أكاسيد الكربون الضارة في أرجاء الغلاف الجوي المحيط بكوكب الأرض. في هذا المضمار أيضاً تتوقع وزارة الطاقة الأمريكية أن تزداد كميات هذه الانبعاثات الضارة بنسبة 62% في عام 2020 للميلاد وهي نفس الوزارة الموقرة التي تتبع الرئيس الأمريكي بوش وبرلمانه.. الموقر أيضاً وكلاهما الرئيس والكونجرس أعلنا في الفترة القريبة الماضية رفضهما التصديق على بروتوكول كيوتو من أجل خاطر عيون الصناعات الأمريكية التي يريدون ترك الحبل لها على الغارب كي تكسب مليارات من الدولارات وتفرز أطناناً من الانبعاثات الكربونية الضارة بصحة الإنسان والحيوان والنبات على السواء. والمعروف أن اتفاقية كيوتو سبق وأن وافقت عليها مبدئياً إدارة الرئيس كلينتون في عام 1997 وبمقتضاها تقوم كبريات الدول الصناعية بخفض انبعاثاتها الكربونية بنحو 5% دون مستواها عام 1990 على أن تفعل ذلك في أمد غايته عام 2012، هذا علماً بأن أمريكا مسئولة وحدها عن نحو 25% وربما أكثر من تلك الانبعاثات الضارة، وخاصة بسبب اعتمادها على السيارات التي تسير بالبنزين.
دراسة في الشأن العربي:
الوضع الغذائي في الوطن العربي غير مطمئن وأن مخاطر عديدة تواجه زيادة الإنتاج الغذائي إذا لم تحدث نقلات مهمة نحو تكامل اقتصادي عربي حقيقي دون إبطاء. أن مفهوم الأمن الغذائي العربي يرتبط بالأمن المائي باعتبار أن توفير الغذاء لا يتحقق إلا بضمان المياه اللازمة للزراعة. وأن أزمة الغذاء ظاهرة عالمية حيث بلغ عدد سكان الأرض حوالي ستة مليارات نسمة مشيرة إلى أن ذلك يعني أن العالم شهد تضاعف سكانه خلال الفترة من 1970 إلى 1995 ويتوقع أن يتزايد خلال الخمسة والثلاثين عاماً القادمة قرابة 2.5 مليار نسمة وأن يكون نصيب الدول النامية من ذلك الزيادة حوالي 90 بالمائة.
إن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) دعت إلى ضرورة السيطرة على الجوع الذي سيبلغ عدد ضحاياه بحلول عام 2010 نحو 680 مليون شخص منهم 250 مليوناً في أفريقيا. فبالنسبة للدول العربية أوضحت تقارير متخصصة أن هناك 73 مليون عربي مازالوا يعيشون تحت مستوى خط الفقر وأن أكثر من عشرة ملايين لا يحصلون على الغذاء الكافي إضافة إلى وجود ستين مليون عربي يعانون من الأمية. وأشارت الى أن الحبوب تمثل الجانب الأكبر من العجز الغذائي العربي حيث يستورد الوطن العربي ما نسبته 17% من حجم التجارة العالمية من الحبوب, كما أن متوسط الإنتاج الغذائي السنوي في المنطقة العربية 108 ملايين طن وأن متوسط إنتاج الحبوب بلغ 37.4 مليون طن, ويبلغ القمح ما نسبته 45% منها أي 16.8 مليون طن, وينتج الوطن العربي من السكر مليوني طن سنوياً ومن اللحوم البيضاء والحمراء 2.8 مليون طن سنوياً, ومن الألبان ومنتجاتها 3.6 ملايين طن سنوياً ومن الزيوت ومشتقاتها 1.1 مليون طن سنوياً والأسماك مليوني طن سنوياً، ولعل العجز الغذائي العربي في ضوء هذه المعدلات وصل قيمته إلى نحو 10.5 مليارات دولار عام 1996 بينما كان 802 مليون دولار عام 1970م, وفيما يتعلق بالأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي فقد بلغت مساحتها 198 مليون هكتار أي ما نسبته 14% من مساحة الوطن العربي- أما المساحة المستغلة زراعياً فتبلغ 54 مليون هكتار،وتقريباً مساحة الغابات في الوطن العربي بحوالي 83 مليون هكتار في الوقت الذي فقدت الغابات مساحة 2.5 مليون هكتار. وأضافت الدراسة أن الزيادة في قيمة الواردات الزراعية العربية يعكس عجزاً حقيقياً في كميات المياه حيث استوردت البلاد العربية عام 1995 أكثر من 21% من واردات العالم من القمح وأكثر من 17% من التجارة الدولية من الحبوب. كما أن استمرار هذه المعدلات سيؤدي إلى حدوث مجاعة حقيقية يكون السبب الرئيسي فيها النقص الحاد في كميات المياه. ومشاكل المياه في الوطن العربي تتركز في تناقص كمية المياه المتاحة خاصة مياه الأنهار المشتركة الأمر الذي انعكس سلباً على الزراعة واضطر بعض الدول العربية إلى تحويل جزء من المياه المخصصة للزراعة إلى الاستخدام المنزلي, وتناقص المياه الجوفية بسبب استخدامها بأكثر من قدرتها على التجدد وبسبب الحفر العشوائي للآبار بالإضافة إلى ضعف كفاءة استخدام المياه من حيث هدرها واستمرار التركيز على المحاصيل كثيفة الحاجة للمياه مع عدم توافر الإمكانيات المالية لتشكيل شبكات التوزيع بين مناطق الأحواض المائية والمناطق القابلة للزراعة. وعدم توافر الموارد المالية لاستخدام التقنيات الحديثة لتنفيذ سياسات ترشيد استخدام المياه، حيث أنه إجمالي الأمطار الهاطلة على الوطن العربي تصل إلى 2280 مليار متر مكعباً سنوياً, تبلغ حصيلة المياه منها 352 مليار متر مكعباً فقط 15% ويفقد الباقي هدراً.
كما أن انخفاض كفاءة استخدام المياه في الدول العربية في الوقت الذي يتزايد فيه الطلب على المياه مع التصاعد في النمو السكاني وتصاعد الاحتياجات المرتبطة بالمدن والزراعة ستؤثر في اشتداد ندرة المياه، حيث أن المتوسط السنوي لإنتاج الغذاء في الدول العربية خلال الفترة من 1970-1984 بلغ نحو 37 مليون طن وهي كميات صاحبت الفترة التي أعقبت الجفاف وتدهور أوضاع الغذاء في العالم على وجه العموم, إلا أن إنتاج الغذاء في المنطقة العربية بدأ في النمو فيما بعد عام 1984- إذ بلغ متوسط الإنتاج السنوي للفترة 1994-1985 نحو 108 ملايين طن بزيادة قدرها 48% كما أن معدلات النمو السنوي للإنتاج زادت بنحو 2.64% خلال الفترة1984- 1970 وإلى ما يقارب 3.11% خلال الفترة 1994-1985م. الفجوة الغذائية العربية تعبر عن صافي الاستيراد من السلع الغذائية وهي بذلك تعكس الفرق بين الإنتاج وما هو متاح من الاستهلاك في القطر المعين موضحة أن الفجوة التي بدأت منذ عام 1970 كانت بما قيمته 8.3 ملايين دولار ثم أخذت تنمو بمعدلات متزايدة إلى أن بلغت ذروتها بقيمة قدرها 13.9 مليار دولار عام 1984 ولكنها انخفضت بعد ذلك نتيجة للتطورات التي تحققت في الإنتاج من السلع الغذائية الرئيسية حيث بلغ متوسطها السنوي خلال النصف الأول من عقد التسعينات (1990-1995) حوالي 10.5 مليارات دولار.
لذلك هناك ضرورة اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية مبكرة من أجل استعمال وسائل وطرق التصنيع المختلفة والمتخصصة مع الاستفادة من توافر الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة بكثرة في مصر والسودان وسورية والعراق وغيرها من البلدان العربية, إضافة لرؤوس الأموال العربية التي ما زالت تستثمر بعيداً عن موطنها الأصلي الذي هو أحوج ما يكون لها- ثم العمالة العربية المدربة والمخلصة.
في النهاية لا يسعني سوى الكتابة عما قال نايلز ايلدريدج الاختصاصي بأشكال الحياة في العصور الجيولوجية السالفة في عدد نوفمبر 1999م للتايمز مشيراً إلى عولمة من نوع خاص:” إننا نستطيع تثبيت أعدادنا بصورة متوازنة، وإصلاح أنماط استهلاكنا، والعمل على وقف دمار النظام البيئي وخسارة أنواع الحياة، علينا باختصار، أن ننظر إلى أنفسنا كأول كيان اقتصادي عالمي مترابط. إذا قررنا ذلك نثبت أن تكهنات مالثوس الرهيبة ليست صحيحة”.