المقاومة والشباب العربي
بقلم: عصام خوري
30/11/2003
لكي نفهم الطريقة التي يتم بها توجيه الرأي العام الأميركي لا بد لنا من قراءة ما يكتب والإصغاء إلى ما يقال في الإعلام الأميركي وفي خلايا التفكير العديدة في واشنطن. فصحيفة “ويكلي ستاندارد” التي تعتبر منبراً رائداً للمحافظين الجدد والتي يرأس تحريرها وليام كريستول الذي كان الصوت الأقوى في التحريض على الحرب ضد العراق، بدأت الآن توجه اهتمامها ضد إيران، حيث كتبت في 12/5/2003:
“لقد كان تحرير العراق هو المعركة الكبرى الأولى في رسم مستقبل الشرق الأوسط، ونحن الآن في خضم صراع عنيف مع إيران حول مستقبل العراق.
وإذا كان إنشاء عراق حر ذا أهمية أساسية فإن رجال الدين الحاكمين في إيران يدركون بأن الرهان الآن هو إما مضاعفة الربح وإما الخسارة: ذلك أن النجاح في العراق هو بمثابة ناقوس الخطر بالنسبة إلى الثورة الإيرانية.
لذلك فعلينا أن نساعد حلفاءنا وأصدقاءنا في العراق كي يجابهوا محاولات التهديم الإيرانية. وعلينا أيضاً أن ننقل المعركة إلى داخل إيران إما بواسطة الدبلوماسية العلنية أو بالعمليات السرية. ذلك أن إيران هي النقطة الرئيسة في الحرب ضد انتشار أسلحة الدمار وضد الإرهاب وفي الجهود الرامية إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط. فإذا ما أصبحت إيران حليفة لأميركا ضد الإرهاب فلا بد أن يلي ذلك تغيير ايجابي في سورية وفي المملكة العربية السعودية بصورة تلقائية وسهلة: وبذلك تتحسن فرص الوصول إلى تسوية، ولعل مصير مبدأ بوش بل ربما موضوع تجديد رئاسته يتوقفان على نتيجة المواجهة مع إيران وما يتبع ذلك من آفاق لعالم أكثر أمناً”.
وفي محاضرة ألقاها في “مركز صبان” أيار2003 في واشنطن وضح كريستول نظريته ملاحظاً بأن ضربة أميركية ضد إيران قد تقع قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2004.
وهناك أب روحي آخر للمحافظين الجدد يدعى مايكل ليدين، دعا طوال التسعينات إلى حرب على العراق، وأخذ الآن يمارس الضغط نفسه لشن حرب ضد إيران. وقد أسس لهذا الغرض “مركز إقامة الديموقراطية في إيران”، وهو عبارة عن كتلة أميركية نشيطة تدعو إلى تغيير النظام في إيران. ولعلنا ندرك نكهة مقاربته من خلال خطاب ألقاه في “المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي” في واشنطن يوم 30 نيسان (ابريل) عنوانه: “حان الوقت للتركيز على إيران: فهي أم الإرهاب الحديث”. وجاء في خطابه: “لقد انتهى وقت الدبلوماسية وحان وقت قيام إيران حرة وسورية حرة ولبنان حر”. وبعد ذلك بأسبوع، يوم 6 أيار (مايو) 2003، ألقى ليدين المذكور محاضرة في “معهد أميريكان انتربرايز” الذي هو خلية أخرى من خلايا التفكير التابعة للمحافظين الجدد، كرر فيها مطالبته بتوجيه ضربة أميركية لإيران وأيده في ذلك المدعو أوري لوبراني المستشار لوزارة الدفاع الإسرائيلية ومهندس المنطقة الإسرائيلية الآمنة في لبنان التي تحررت باضطرار القوات الإسرائيلية للانسحاب من جنوب لبنان عام 2000.
سياسات الدول الكبرى ترسم لمئات السنين، بينما الدول المارقة التي تمارس عنجهيتها على شعوبها فقط ينتهي دورها حالما تجدول أعمالها ضمن برنامج تلك السياسات الضخمة.
فالمثقف الأميركي يهيئ المواطن للتغير القادم وفق البرنامج المعد منذ عشرات الأعوام، في حين المثقف العربي يقوم بفضح برنامج التغير في وقت التغير ويكون السيف سبق العزل. نتيجة لذلك يكون الواقع العربي دائماً متأخر ومتخاذل.
مؤثرات تكوين فكر الشباب العربي:
* ثقافة عبادة كاريزما الشخصية:
– عبادة الحاكم: تدرس في المدارس، حيث يستعاض عن اسم الوطن بالحاكم كمثال: بابا صدام البطل في العراق، قائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد، فخامة دولة رئيس مجلس الوزراء في لبنان. فعندما توفي الرئيس الأسد شعر الشباب السوري بحالة من الذهول “هل من الممكن أن يموت!! ماذا سنفعل؟؟”
– عبادة المثقف: في شهر أيلول قرر الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل أن يعتزل الكتابة، فثار الشارع المصري وصحافته. هيكل لا تتركنا وكأن الكتابة تتوقف على هيكل وليس هناك أقلام شابة ناضجة وقادرة.
– عبادة رجل الدين: رجل الدين أصبح مع اختلاف المعايير هو الدين، وباتت كلماته وآرائه صلاة مقدسة لها الخشوع والإنصات. وبات رجل الدين منافسا للحاكم لولا أنه صنيعته.
الشباب العربي الآن مفرغ من إبداع الأفكار الثورية لأنه تربى تربية إتكالية، إتكالية على الحاكم الذي لم يتخيل غيره، أو زعيم الحزب، أو رجل الدين…
ولعل ثقافة العبادة حولت نضالنا لقضايانا إلى عبادة، فعبادة القضية الفلسطينية تشوهها في كثير من الأحيان، فعندما يكون الفرد غير حكيم في تصرفاته ومتعلق بقضية يبعدك عن القضية. وعندما تكون الحكومة فاسدة وتنادي بقضية فشعبها سيمل من القضية.
وكي لا تموت القضية، تتحول إلى قضايا، فالقضية الفلسطينية تحولت إلى قضية دينية “انتفاضة الأقصى” لحث المسلمين واستنهاض هممهم. ثم تحولت إلى قضية “كنيسة المهد” لحث المسيحيين وخاصة الغربيين، ثم تحولت إلى قضية قتل أطفال “الدرة” لحث الحركات الحقوقية والشارع العالمي. أتخيل إن تجزئة القضية سيشوه من جوهر القضية.
*الموروث الاجتماعي:
هناك عرف وعادات متنوعة بتنوع المساحات الجغرافية لعالمنا العربي، لكن أكبر ظاهرة مشتركة بين أبناءه هي المبالغة والإكثار والكرم، مثال على ذلك التحية “السلام عليكم/ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته”، وعندما تسأل أحدهم أمرا لا يمكن أن يرد بالنفي فهو دائما عالم بكل الأمور وهذه ميزة الرجولة والمعرفة. وفي ظل الفقر والبطالة وغياب المؤسسات الثقافية والإنمائية تصبح صفات “المبالغة والكرم والرجولة” “كلمات كلمات كلمات” كما قال هاملت في مسرح شيكسبير.
* أثر المثقف العربي في الشباب:
الثقافة هي وجدان الأمم، وعلى المثقف أن يكون قريب من الشارع، وكتابته مفهومة للعامة، وهذه ميزة ابتعد عنها أغلب المثقفين العرب، فكانت الثقافة بعيدة عن حياة الشباب، ومحصنة ببرج عاجي براق غني بالمصطلحات الغربية التي لا يفهمها الشارع.
وأستذكر في هذا الأمر قول العفيف الأخضر:”قبل 11 / 9 كان العالم يخشى تغيير نخب العالم العربي السائدة خشية استبدالها بما هو أسوأ منها. أما بعد هذا التاريخ فقد أتضح بأنه لا يوجد ما هو أسوأ منها. وهكذا وجدت نفسها فجأة أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن تشرب حليب السباع فتنقلب على نفسها وإما أن يتقدم العالم لقلبها”.
أما مناهج التعليم الذي يفخر المثقف العربي في منعه تغييرها وفق الطلب الأميركي بعد أحداث سيبتمر، مازالت عاجزة وقاصرة عن تطوير روح الطالب العربي، الذي يفاجأ بعد تحصيله العلمي بسوق العمل، وعلينا التذكير أنه في الثمانينات دعا المثقفون العرب لتحسين المناهج التعليمية في الدول العربية وتجاهل الطلب.
شرائح الشباب العربي:
– شباب غير مبال بالمقاومة، وفقد حس المواطنة في وطنه.
– شباب خائف من التعبير.
– شباب يردد ما يقوله المثقفين أو رجال الدين أو الإعلام الرسمي.
– شباب همه الوحيد الحصول على عمل في ظل البطالة المنتشرة في سوق العمل.
– شباب مشحون بالكره والحقد على المحتل.
أزمة المقاومة العربية:
المقاومة حق مشروع للشعوب ونص عليه في مواثيق الأمم المتحدة. لكن أكبر خطر يتهدد المقاومة حاليا هو أسلمة المقاومة، أي تحويل المقاومة الوطنية إلى مقاومة إسلامية” فأسلمة المقاومة سيقدم الذريعة الكافية لسحق المقاومة واتهامها بالإرهاب خاصة بعد أحداث أيلول الأسود الغربي، وهجمت الإعلام العالمي على الأصولية الإسلامية المتمثلة بعقيدة “الولاء والبراء” التي أفتاها بن لادن.
كما إن إسرائيل الدولة التي لا تمتلك إلا الدين مقومة واحدة لاستمرارها. لا تكتسب شرعيتها في المنطقة العربية إلا من خلال تحويلها للنزاع العربي الإسرائيلي إلى نزاع ديني طائفي. وهذا النزاع سيقسم المنطقة الشرق أوسطية إلى كنتونات طائفية أقواها وأكثرها استقرارا دولة اليهود الغربيين الإسرائيليين.
شرائح الشباب المقاوم:
– مقاوم وفق عقيدة الإسلام، التي تدعي لنصرة المسلمين على الكفار.
– مقاوم وفق المنطلقات القومية العربية.
– مقاوم وفق العقيدة الإسلامية ذات الولاء الوطني.
– مقاوم وفق العصبية القبلية، والولاء نحو العشيرة.