الحاكم والحركات الشعبية
أخبار الشرق – 22 شباط 2003
بقلم: عصام خوري
راسبوتين ذلك القديس أو المشعوذ الذي حكم روسيا القيصرية، ترك رسالة قبل قتله يتنبأ فيها بزوال الحكم القيصري وقتل القيصر وزوجته من قبل الشعب. وصدق في ذلك. ترى هل هو قديس حقاً؟ .. أم ساحر؟ .. أم عراف؟
راسبوتين كان من الشعب، ويعرف الشعب، ويعرف طبيعة الشعب الروسي، وخاصية انفعاله. فلو كان الشعب قتله هو، لكانت كل ذنوب القيصر محمله لراسبوتين، لكن النبلاء قتلوه فالذنوب لن تحمل إلا للنبلاء، وجاءت الشيوعية.
راسبوتين مات الآن. لكنه حكمة لكل الحكام، عليهم أن يكونوا من الشعب، يتكلمون بمفردات الشعب وإن لم يكن الشعب في قلبهم.
المصالح تقول ذلك والتاريخ يحكي ذلك. فاخناتون حين نصب آتون “إلهاً” للأمم كلها قام بثورة فمنع فن التصوير والنحت وحطم كل التماثيل ومسح عن جدران المعابد كل أسماء وصور الآلهة القديمة، كما ألغى فكرة البعث والحساب والحياة الآخرة. فحرم الإله الشعبي الأول أوزوريس ملكوته في العالم الآخر، لأنه كان ربّ البعث والحساب الذي يزن الحسنات والسيئات في العالم الأسفل ومالك قلوب العباد الباحثين عن السعادة في الحياة الثانية. كما حارب السحر والسحرة وأبطل تأثيرهم في المجتمع. فكان بثورته من أوائل الدكتاتوريين المعاقبين من قبل سخط الشعب والكهنة للديانة السابقة. فخُلع عن عرشه وأبيدت ديانته، وحورب أتباعه ..
كلينتون لبس قبعة البيسبول، وبوش لبس الجينز، وعرفات حتى الآن لم يعرف البعض إن دخل بمسدس أو بيت للمسدس إلى مبنى الأمم المتحدة وتحدث هناك.
المهم أن الشعب يهوى أن يقترب الحاكم منهم، ويداعب أحاسيسهم، فالحاكم عليه دائماً أن يتحدث بأسف وحزن وغضب أمام كاميرات التصوير، ويلاطف الفقراء ويدمع لألم العاطلين عن العمل، ويتحدث بجبروت المناضل على الجبهة، واغتراب اللاجئ في المنفى، والشعب أيضاً يهوى أن يشاهد كاريزما لبطل يحميه، ويقابل شخصيات العالم بثقة، وبغيرية على شعبه، وإن كان في مداولاته السرية بعيد كل البعد عن ذلك.
الإنسان بطبيعته يبحث عن الإبداع في ذاته، وحينما يعجز عن إدراكه، يجب أن يراه في حاكمه. لذلك كل الحكام المنتخبين ديمقراطياً تبدلوا، ومُددت فترة حكم كلينتون لأنه بالفعل اقترب من أحاسيس الشعب الأمريكي، حتى بعلاقته مع مونيكا (!) وإن رفضها البعض.
ومُدد لشيراك لأنه اقترب من شخصية ديغول ولم يكن تابعاً للولايات المتحدة إعلامياً، وهو الذي حمل كلمة الجمهورية والمساواة شعاراً بعد إقصائه لجوسبان، واحتدام النزاع بينه وبين اليمين المتطرف.
الآن وإن تمت الحرب على العراق هل سيُقصى صدام حسين، ويزول حكم البعث عن العراق؟
ربما. لكن مما لا شك فيه أن حكم الجمهوريين وبوش الابن وحكم طوني بلير في بريطانيا، لن يشهد التمديد، خاصة بعد مظاهرات 15 شباط التي شهدها العالم. فحسب المنظمين سار نحو ثلاثة ملايين شخص في تظاهرة في روما بينما شارك أكثر من خمسة ملايين آخرين في مختلف أنحاء أسبانيا (ثلاثة ملايين حسب الشرطة) منهم مليونان في مدريد (600 ألف حسب الشرطة). وفي لندن تظاهر أكثر من 750 ألف شخص حسب الشرطة (مليونان حسب المنظمين)، ونصف مليون آخرون في برلين، وما لا يقل عن 250 ألف في باريس. كما شارك مئات آلاف الأشخاص في كندا والولايات المتحدة وخصوصاً في نيويورك حيث بلغ عدد المتظاهرين مائة ألف شخص على الأقل حسب المنظمين. وفي أمريكا اللاتينية خرج مئات ألاف الأشخاص في شمال البرازيل وجنوبه وفي كوبا والأرجنتين وباراغواي.
وإن لم تتم الحرب سيسقط نظام بوش الابن وطوني بلير، لأنهما لم يمثلا كاريزما الشخصية القيادية الحكيمة والصلبة أمام شعبيهما، وأفقدا بلديهما الهيبة أما شعوب وحكومات العالم، وهذا أمر لا يستهوي شعبيهما. لذلك المنتصر في هذه الحرب إن تمت هو الحركات الشعبية المتكاتفة من كل أنحاء العالم، لأنها أثبتت أن لها دوراً قيادياً وتأثيراً متنامياً على القوة العالمية أن تراعيهم في برامجها الإمبريالية القادمة.
ومعركة العراق لم تنتهِ على هذا النحو لأن الدروع البشرية من كل أنحاء العالم اجتازت الحدود السورية العراقية، والكثيرون قادمون لنجدة الشعب العراقي، والوقوف في وجه الليبرالية العالمية، وفي وجه كل الحكام الطغاة في العالم.
أخطأت الصحافة العراقية الرسمية إن ظنت أن العراق وجه صفعه للولايات الأمريكية. لأن الصفعة جاءت من كل أحرار العالم ومن كل الباحثين عن إنسانية راقية تحمي البشرية وتدافع عن أبنائها.